- شعار الرابطة

الخميس, 14-يناير-2010
خاص -


بسم الله الرحمن الرحيم
رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة


تقرير الظل السنوي لأوضاع حقوق الإنسان في اليمن في العام 2009م
إعداد| رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة












- المقدمة:
منذ قيام دولة الوحدة في 22مايو 1990م، انتهجت الجمهورية اليمنية الديمقراطية والتعددية السياسية توجهاً للحكم وآلية لبناء الدولة والمجتمع. وشهدت اليمن منذ ذلك الحين تنامياً للنشاط السياسي والحقوقي بالاستناد إلى الدستور الذي كفل للمواطنين حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون تمييز وبشكل غير قابل للتجزئة. وترادفت قضايا حقوق الإنسان مع الديمقراطية؛ لتصب جميعها في المبادئ الدولية القائمة على صيانة الحريات وكرامة الإنسان.
وإنطلاقاً من إيمان رابطة المعونة لحقوق الإنسان بأن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في اليمن حلقات متصلة ببعضها البعض، فإنها بهذه الرؤية الوطنية تدشن موقفها الرقابي على مدى صدق تقارير الحكومة اليمنية عن أوضاع اليمن ، لمعرفة مدى تنفيذ التزاماتها الدولية والمحلية بإعمال حقوق الإنسان على ارض الواقع ،كما أن هذه الرؤية تفيد الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي والمانحين الدوليين لليمن في الوقوف على حقيقة التحديات والمشاكل التي يواجهها اليمن والايجابيات المحققة ومواطن القصور؛ لتأصيل الايجابيات وتطويرها، ومعالجة التحديات والسلبيات وتلافيها في المستقبل المنظور ،في إطار الدعم الشامل لأوضاع اليمن والتزاماته الدولية.

والآن، وأكثر من أي وقت مضى، مطلوب من منظمات المجتمع المدني اليمني بكل مكوناتها لعب دور "الشريك والحارس" من أجل ضمان الالتزام بمبادئ الديمقراطية والتعددية والمساواة وحقوق المرأة والحكم الصالح. وفي ظل توافر الإرادة السياسية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وتطويرها ،تجد منظمات المجتمع المدني غير الحكومية اليمنية مدخلاً لتحسين وضع اليمن في جميع المجالات وبالذات في مجال تعزيز حقوق الإنسان في إطار مبادئ النزاهة والموضوعية والشفافية الكاملة والحوار والتعاون البناء لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. ولمزيد من التعاون والشراكة تطمح منظمات المجتمع المدني غير الحكومية في الجمهورية اليمنية من مؤتمر لندن والمانحين الدوليين لليمن ومن مؤتمر الحوار الوطني اليمني أن تجد في رؤيتها الموازية تقرير ظل لرؤية الحكومة اليمنية عن الأوضاع في اليمن ،وبشفافية ومصداقية تمكنها من تقييم نشاط الحكومة اليمنية ،ومن ثم تنفيذ التوصيات والمساعدات التي ترقى بالإنسان اليمني وتحقق الآمال المرجوة .

- معلوماتٌ أساسيةٌ عن اليمن
الجمهوريةُ اليمنية : دولةٌ عربيةٌ إسلاميةٌ مستقلة. عددُ السكان : (22.052.656) نسمة. المساحة : (555.000) كيلو متر مربع.
نظامُ الحكم : جمهوريٌّ ديمقراطيٌّ يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، والشعب مالكُ السلطة ومصدرُها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمجالس المحلية. يقوم النظامُ السياسيُّ للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة وانتقالها سلمياً. ويؤكد دستورُ الجمهورية اليمنية العملَ بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق جامعة الدول العربية.
والقضاءُ في اليمن مستقلٌ وله مجلسٌ أعلى يُعنى بتطبيق الضمانات الدستورية والقانونية الممنوحة للقُضاة، من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل وفقاً للقانون، ويرأسه رئيسُ المحكمة العليا. ويقوم النظامُ الاقتصاديُّ للدولة على أساس حرية النشاط الاقتصادي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.

- الإطار التشريعي لحقوق الإنسان في اليمن:
الدستور : ينص الدستور اليمني صراحةً على عدد من المبادئ والضمانات الأساسية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، أبرزها :
• (جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات). المادة [41].
• (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتصدر القوانين لتحقيق ذلك). المادة [24].
• (لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون). المادة [42].
• (للمواطنين في عموم الجمهورية – بما لا يتعارض مع نصوص الدستور – الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً، ومهنياً، ونقابياً، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية). المادة [58].
• (حق الانتخاب والترشيح مكفول لكل مواطن). المادة [43].
• (لكل مواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون الأحكام المتعلقة بممارسة هذا الحق). المادة [43].
• (تسليم اللاجئين السياسيين محظور). المادة [46].
• (يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية). المادة [108-هـ].
• (ينظم القانون الجنسية اليمنية ولا يجوز إسقاطها عن يمني إطلاقاً، ولا يجوز سحبها ممن أكتسبها إلا وفقاً للقانون). المادة [44].
• (المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ولا عقاب على الأفعال التي تمت قبل صدور القانون المجرم لها، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات). المادة [47].
• (العمل حق وشرف وضرورة لتطور المجتمع ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز فرض أي عمل جبراً على المواطنين...). المادة [29].
• (تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدد القانون الحالات التي يحرم فيها المواطن من حريته ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا بحكم من محكمة مختصة). المادة [48-أ].
• (يحق للمواطن أن يلجأ للقضاء لحماية حقوقه ومصالحه المشروعة، وله الحق في تقديم الشكاوى والانتقادات والمقترحات إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة). المادة [51].
• (للمساكن ودور العبادة ودور العلم حرمة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها القانون). المادة [52].
• (حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون، وبأمر قضائي). المادة [53].
• (حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون..). المادة [57].
• (تكفل الدولة توفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة، في حالات المرض أو العجز، أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العائل، كما تكفل ذلك بصفة خاصة لأسر الشهداء وفقاً للقانون). المادة [56].
القوانين الوطنية النافذة : إضافة إلى المواد التي نص عليها الدستور وضمنت المواطنة المتساوية وكفلت الحقوق والحريات لكافة المواطنين، سن المشرع اليمني قوانين لتأكيدها ولضمان تحقيقها، أهمها:
• قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لعام 1994م : (ويحدد نوعية الجريمة وحجم العقوبة المناسبة لها وفقاً لمبدأ تفريد العقوبة).
• قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لعام 1994م : (وكفلت نصوصه حماية الحقوق الواردة في الدستور المتعلقة بالحريات الأساسية وعدم سقوطها بالتقادم، وينظم الإجراءات القانونية السابقة على المحاكمة – جمع الاستدلالات والتحقيق – قبل المحاكمة وأثنائها وتنفيذ الأحكام العادلة).
• قانون حقوق الطفل رقم (45) لعام 2002م : (يمنح الطفل اهتماماً خاصاً ويبرز خصوصياته ويؤكد مصالحه الفضلى. وجاءت مواد القانون مواءمة للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل).
• قانون رعاية وتأهيل المعاقين رقم (61) لعام 1999م : (يهدف إلى تأهيل ورعاية المعاقين ويحدد خصوصياتهم في كافة المجالات بغرض إدماجهم في المجتمع بشكل فعال أسوة بغيرهم من أفراد المجتمع).
• قانون رعاية الأحداث رقم (24) لعام 1992م : (يكفل للأحداث ضمانات خاصة عند جنوحهم ويكفل لهم تطبيق تدابير تتناسب مع وضعهم القانوني بهدف تأهيلهم).
• قانون مكافحة الفساد رقم (39) لعام 2006م : (يعمل على تطوير وتفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة من أجل كشف الاختلالات المالية والإدارية ومراقبة الأموال العامة والتأكد من استخدامها بغرض الإصلاح المالي والإداري).
• قانون تنظيم السجون رقم (48) لعام 1991م : (يهدف إلى تنظيم وتحسين السجون وتفعيل دور القائمين عليها إلى جانب رقابة مهامهم بتنفيذ الحقوق المنصوص عليها ومحاسبتهم عند انتهاكها).
• قانون السلطة القضائية رقم (1) لعام 1991م : (ينظم الإجراءات والحقوق والالتزامات الخاصة بالقضاة وأعضاء النيابة وشروط الالتحاق بالقضاء وغيرها من الإجراءات والمسائل الخاصة بالقضاء).
• قانون الأحوال الشخصية رقم (20) لعام 1992م : (ينظم المعاملات الأسرية والالتزامات وحقوق الزوجين والأبناء وغيرها من المسائل المتعلقة بالأسرة).
• قانون العمل رقم (5) لعام 1995م : (ينظم الحق في العمل وحقوق وواجبات العمال والتزامات رب العمل في القطاع الخاص).
• قانون الخدمة المدنية رقم (19) لعام 1991م : (ينظم الوظيفة العامة وحقوق وواجبات الموظفين على أساس من المساواة بين الرجل والمرأة في تولي الوظيفة والأجور والترقيات والتدريب والحصول على الإجازات مع مراعاة وضع المرأة).
• قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) لعام 1990م : (يمنح الصحفي الحق في نشر أفكاره وآرائه والحق في عدم ذكر مصادر معلوماته وفقاً للإجراءات والحدود المنصوص عليها إلى جانب حقه في الحصول على المعلومات والحق في مد الصحفي بالمعلومات وتنظيم عمله).
• قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم (1) لعام 2001م : (يهدف إلى توسيع مشاركة منظمات المجتمع المدني مع الحكومة في التنمية ويسهل فرص الحق في الإنشاء والتأسيس وينظم الإجراءات الخاصة والحقوق والالتزامات).
• قانون الجمعيات والاتحادات التعاونية رقم (39) لعام 1998م : (ويعنى بتنظيم عمل الجمعيات والاتحادات التعاونية ويعطيها الحق في ممارسة حقوقها ونشاطها بحرية ويقدم لها كل التسهيلات التي من شأنها تحقيق الأهداف على النحو الأكمل).
• قانون الجنسية رقم (6) لعام 1990م : (وينظم إجراءات الجنسية بأوضاعها المختلفة).
• قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم (66) لعام 1991م : (ويقدم الضمانات اللازمة لنشاط الأحزاب والتنظيمات السياسية بحرية وشفافية تامة).
• قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم (31) لعام 2001م : (وتتناول مواده الحقوق والحريات السياسية الفردية والحزبية، وتحدد نصوص أحكامه تلك الحقوق وقواعد وإجراءات ممارستها وتختص بتنظيم الآلية المخولة دستورياً بإدارة العمليات الانتخابية).
• قانون تنظيم النقابات العمالية رقم (35) لعام 2002م : (ويهدف إلى تنظيم العمل النقابي بصورة ديمقراطية).
• قانون السلطة المحلية رقم (4) لعام 2000م : (ويعطي السلطة المحلية في محافظات الجمهورية صلاحيات واسعة، لإدارة المجتمعات المحلية بصورة لا مركزية).
• قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات رقم (29) لعام 2003م : (وينظم المظاهرات والمسيرات السلمية ويقدم حماية للمتظاهرين ويكفل لهم الحق في إقامة المسيرات السلمية في أي زمان وأي مكان للتعبير عن الآراء وتوجهات الأفراد).
• قانون الرعاية الاجتماعية رقم (31) لعام 1996م : (وينظم أساليب تقديم المساعدات المالية للفقراء).

*أبرز التحديات والمشاكل والصعوبات التي تواجها اليمن

لقد واجه اليمن في عام 2009م واحدة من أكثر المراحل صعوبة في تاريخه ،ولاسيما في ضوء التطورات التي شهدتها عدد من المديريات في المحافظات الجنوبية وتمرد الحوثي صعده شمالا وتنظيم القاعدة في بعض المناطق الجنوبية والشرقية ،والتي وصلت إلى حد المواجهات المسلحة بين قوى الجيش والأمن ومرتكبي أعمال العنف والتمرد والإرهاب سواء مايسمى بالحوثيين أو الحراك أو القاعدة ، والذين يرفعون السلاح ضد سلطات الدولة الشرعية ،كما يقومون بأعمال القتل والنهب والتقطع ،وبترديد شعارات معادية للوحدة والثورة والجمهورية ،ورفع أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً ،ومهاجمة محال تجارية مملوكة لمواطنين من المحافظات الشمالية ،فهل يعني كل هذا أن وحدة اليمن وأمنه في خطر رغم مضي عشرين عاماً على قيام وحدته المباركة ؟ وإذا كان الأمر كذالك ،فما طبيعة المخاطر التي تواجه الوحدة وما هي مصادرها ؟ وهل بالإمكان احتوائها ومعالجتها ؟وكيف السبيل إلى ذلك ؟
وبداية نستطيع القول أن الوحدة اليمنية بالفعل تواجه اليوم تحديات جسيمة يتمثل أهمها محلياً في عدم الاستقرار الداخلي ،والفقر وتباطؤ دوران عجلة التنمية كما الإصلاح السياسي ، وتفشي مظاهر الفساد في الحياة العامة ،واستمرار غلبة الولاءات التقليدية على مبدأ الولاء الوطني ،أما أهم وأبرز التحديات على المستوى الخارجي فتتمثل في وجود رغبة لدى بعض القوى الدولية والإقليمية بإعادة تجزئة اليمن وتفكيكه ،ليس إلى شطرين كما كان علية الحال سابقاُ, وإنما إلى دويلات وكيانات متعددة على اعتبار أن ذلك يحقق لهذه القوى أهدافها ويخدم مصالحها .
وكما أشرنا سالفاً ،فهنالك أربع إشكاليات رئيسية تهدد اليمن على المستوى المحلي ،وما لم يتم مواجهتها بسرعة ووضع البدائل المناسبة لمعالجتها ,فإن الأوضاع في المرحلة القادمة قد تأخذ منحى أكثر خطورة مما هي علية في الوقت الحالي ،وهذه الإشكاليات والتحديات هي:-

1- التحديات الأمنية وعدم الاستقرار الداخلي
إن عدم الاستقرار الداخلي والمشاكل الأمنية تمثل اليوم خطراً جدياً وحقيقياً على اليمن ووحدته واستقراره ،وعلى الرغم من الإجراءات المتعددة التي اتخذتها الحكومة اليمنية والنجاحات التي حققتها بهذا الشأن ،إلا أن أعمال العنف والتمرد والإرهاب التي تقوم بها العديد من الجماعات المتمردة والإرهابية وغيرها لم تتوقف ،ويتجلى ذلك من خلال تواصل هجمات تنظيم القاعدة ضد المصالح المحلية والأجنبية وتكرار المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وحركة التمرد في صعده ،وعودة عمليات اختطاف الأجانب بالإضافة إلى أعمال العنف الأخيرة في أبين وردفان ،ومع أن الوضع الأمني ما زال مسيطر عليه حتى هذه اللحظة ,إلا أن استمرار أعمال العنف والتمرد والإرهاب بهذه الوتيرة قد يترتب عليه عواقب كارثية على اليمن ووحدته واستقراره ،وربما يؤدي مع الوقت إلى تفتيته إلى كانتونات صغيرة ،والسؤال المطروح هنا ، ما هي العوامل التي تقف وراء حالة عدم الاستقرار هذه ؟
إن الإجابة على هذا السؤال بسيطة جداً ،وهي دون تكليف أو تطويل – ضعف حضور الدولة وسيطرتها على جميع المناطق ,بفعل شحة الموارد الاقتصادية اللازمة لفرض عملية السيطرة من ناحية ، وعدم فاعلية أداء المؤسسات في ضوء ماهو متاح لها من موارد من ناحية ثانية .
هذا الضعف يهيئ المناخات الملائمة لتهديد الوحدة الوطنية ,ونشوء جماعات العنف والتطرف والإرهاب ،ويخلق حالة من القلق وعدم الاستقرار الداخلي ،كما يدفع بعض القوى إلى محاولة ملء الفراغ الناجم عن غياب الدولة عبر طرح مشاريع صغيرة على أسس مناطقية وقبلية ،بل وأحياناً على أساس مصالح شخصية محضة ،مستغلة مشاعر التذمر والفقر لدى الناس جراء غياب فرص العمل لدى الشباب ،وشحة المشاريع التنموية ،ولاسيما في المناطق الريفية ،وعدم قدرة المؤسسات الحكومية والقضائية منها على وجه التحديد على حلحلة قضايا الناس وتمكينهم من حقوقهم بيسر وسهولة ، فضلاً عن ذلك فإن عدم سيطرة الحكومة يُغرى القوى الخارجية المعادية للوحدة بالتدخل في شؤون اليمن الداخلية ،وتوظيف قوى محلية لصالح تنفيذ مشاريعها ومخططاتها الخاصة .
وكل ذلك يستدعي ،ودون شك التوجه الجاد في المرحلة القادمة نحو تعزيز سيطرة الدولة وتقوية حضورها في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية ، والسبيل إلى ذلك هو زيادة الموارد الاقتصادية الوطنية ,عبر تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مورد واحد (النفط) ،وجذب الاستثمارات الخارجية ،ومكافحة الفساد والقضاء عليه, حتى تتوفر الإمكانات الكافية لإقامة المشاريع التنموية في عموم البلاد ،وتشغيل العاطلين عن العمل ،بالإضافة إلى ضرورة تفعيل أداء المؤسسات والأجهزة التنفيذية حتى تتمكن الدولة من القيام بوظائفها والوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع ،وبما يكفل تعزيز ولاء المواطنين لها وكسب ثقتهم بمؤسساتها ،والاعتزاز بالانتماء لها.
وفوق هذا وذاك ،يستلزم الأمر تطوير المؤسسة العسكرية والأمنية وتعزيز قدراتها ,مع الأخذ في الاعتبار ضرورة إعادة النظر في السياسة الدفاعية القديمة, وإحلالها بسياسة أخرى يراعى فيها طبيعة التهديدات الجديدة في عصر الحروب غير المتوازية ، فضلاً عن تبني إجراءات اقتصادية وسياسية واجتماعية من شأنها التخفيف من انتشار مستويات الفقر والحرمان في المناطق الريفية, للحد من قدرة دعاة الفرقة والانقسام وجماعات العنف على تجنيد المزيد من الأشخاص خصوصاً الشباب منهم ، عبر تنمية إقتصاديات هذه المناطق .

اليمن والحرب على الإرهاب ...

إن اليمن اليوم يواجه تحديات كثيرة خصوصاً على المستوى الاقتصادي حيث تشهد اليمن نمواً سكانياً كبيراً يقابله شحة في الموارد الاقتصادية الأمر الذي ينعكس على اتساع مساحة رقعة الفقر الذي يعد احد ابرز الأسباب الرئيسة التي تسهم في توفير بيئة مناسبة لتواجد وانتشار التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها القاعدة وقدرتها على نشر أفكارها المتطرفة في أوساط الناس و خصوصاً الشباب وصغار السن الذين تستغل القاعدة أوضاعهم الاقتصادية وتقوم بتجنيدهم ضمن خلاياها الإرهابية . ويزداد الأمر سوء حين نجد أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة يرافقها تحديات أمنية كثيرة أبرزها التمرد الحوثي وعمليات التخريب والعنف والفوضى ودعوات الانفصال التي تقوم بها عناصر ما يسمى بالحراك ،فضلاً عن تزايد عمليات نزوح اللاجئين والمتسللين الأفارقة إلى اليمن والذين تؤكد الإحصاءات أن عددهم يقارب المليون لاجئ ،وظاهرة القرصنة البحرية ،وهي قضايا تشكل تحديات كبيرة تضاف إلى تحدي تنظيم القاعدة الأمر الذي يجعل من المستحيل على اليمن بإمكاناته وموارده الاقتصادية الشحيحة مواجهتها بمفرده دون دعم ومساندة إقليمية ودولية ,.

وتتطلب مساندة اليمن على مواجهة تلك التحديات ومواجهة الإرهاب دعماً اقتصادياً بمقدوره مساعدة الحكومة اليمنية على إحداث عملية تنمية شاملة تسهم في القضاء على الفقر ومكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين ،وهو ما سيؤدي إلى القضاء على أهم الأسباب التي تساعد القاعدة على إيجاد بيئة لها في اليمن،وسيسهل أيضا على الحكومة اليمنية توسيع وتنويع أساليب المواجهات ضد عناصر القاعدة ،والقوى المتطرفة والإرهابية فكريا وسياسياً واقتصادياً وامنياً .

تشير عملية الرصد والمتابعة لنشاط تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن إلى تراجع ملحوظ في العمليات الإرهابية التي نفذها هذا التنظيم في اليمن خلال عام 2009م مقارنة بالأعوام السابقة، وتحديداً بالمقارنة مع الهجوم الإرهابي الذي استهدف السياح الأجانب في محافظة مأرب العام قبل الماضي 2007م أو الهجوم الإرهابي الذي استهدف سفارة الولايات المتحدة في العاصمة صنعاء العام المنصرم 2008م .

وحسب الإحصاءات الرسمية اليمنية فإن تنظيم القاعدة نفذ منذ عام 1992م حتى العام الجاري (61) عملية إرهابية في اليمن استهدفت منشآت حيوية وسفارات أجنبية وسياح وقادة أمنيين سقط جراءها الكثير من الضحايا،بحسب نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن د. رشاد العليمي الذي أضاف إن السلطات قدمت للقضاء بهذا الصدد (26) قضية بلغ المفرج عنهم (813) بضمانات غير (93) سلموا أنفسهم وعادوا مواطنين صالحين.

ويرى مراقبون أن العملية الإرهابية التي استهدفت سفارة واشنطن في صنعاء في سبتمبر من العام 2008م شكلت نقطة تحول في مسار تعاطي الأجهزة الأمنية في اليمن في المواجهات مع تنظيم القاعدة حيث عمدت الأولى إلى تغيير إستراتيجية المواجهة عبر اتخاذ إجراءات جديدة تمثلت في الملاحقات الأمنية الواسعة، ومضاعفة الجهود الاستخباراتية على الصعيد المحلي أو على صعيد التنسيق والتعاون الاستخباراتي مع الدول الأخرى وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بتحديث وتطوير أجهزة ووحدات مكافحة الإرهاب(وهي الوحدات المستحدثة مؤخراً في عدد من الأجهزة الأمنية) بالإضافة إلى تفعيل وزيادة مساحة المواجهة على مستوى القضاء عبر تقديم المزيد من عناصر تنظيم القاعدة إلى المحاكم وصدور الأحكام القضائية بحق عدد كبير منهم، وصولاً إلى تبني خطة العمليات الأمنية الاستباقية ضد عناصر تنظيم القاعدة في عدة مناطق، وهي الخطة التي أثبتت نجاحها من خلال إحباط عدد كبير من العمليات الإرهابية التي كان يسعى تنظيم القاعدة لتنفيذها ومصرع عدد من عناصر التنظيم، والقبض على عدد كبير منهم خلال تلك المواجهات .


إن تراجع الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في اليمن خلال العام 2009م ، وتحجيم وضرب بنية التنظيم وإمكاناته وإحباط عدد من المخططات الإرهابية التي كان يعتزم تنفيذها كلها تعطي مؤشرات وتأكيدات على التزام الحكومة اليمنية بمواصلة حربها ضد القاعدة ، ونجاحات محسوبة لأجهزتها الأمنية خصوصاً إذا ما ربطت النجاحات التي تحققت على صعيد مواجهة القاعدة مع انشغال السلطات اليمنية بحرب مستعرة مع عناصر الإرهاب والتمرد الحوثية في صعده،ومواجهات متواصلة لأعمال تخريبية تنفذها عناصر ما يسمى بالحراك في بعض مناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية.

وفي المقابل نرى أن مؤشرات النجاح تلك لا تعني القضاء على تنظيم القاعدة في اليمن أو إيصاله إلى مرحلة العجز عن إعادة بناء نفسه من جديد، الأمر الذي يتطلب التعاطي مع قضية حرب اليمن ضد القاعدة وفقاً لرؤية إستراتيجية تعتمد الأخذ في الاعتبار الانعكاسات الايجابية التي ستنجم عن نجاح اليمن في حربه على الإرهاب ليس على مستوى الأمن الداخلي لليمن فحسب،بل على مستوى الأمن الإقليمي والدولي.

ونخلص في هذا الموضوع بالقول بضرورة أن يدرك المجتمع الدولي ودول الإقليم أن نجاح اليمن في تجاوز التحديات التي تواجهه سينعكس على امن واستقرار المنطقة والعالم ،وفي المقابل فان أي مخاطر قد تهدد وحدة وامن واستقرار اليمن فان تأثيراتها ستمتد لتشمل امن المنطقة والعالم بحكم الموقع الجيوستراتيجي لليمن ،ولعل تمدد التمرد الحوثي واستهدافه للأراضي السعودية يمثل دليلاً واقعيا على صحة هذه الأطروحات .

*الحرب ضد التمرد الحوثي في صعده

ثمة من يرى أن اليمن يمضي نحو العام الميلادي الجديد 2010م بأثقال متزايدة لأزمة القتال المندلع منذ أشهر بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين، خصوصا بعدما تجاوزت الأزمة الحدود في المواجهات المشتعلة بين المسلحين والجيش السعودي على مناطق الشريط الحدودي بمحافظة صعدة وامتدادها إلى محافظة الجوف بما أثاره هذا التداعي من قلق في احتمالات توسع دائرة الأزمة وتفاقم آثارها الأمنية والإنسانية خلال العام الجديد .

وتتجه أزمة التمرد الحوثية نحو المزيد من التعقيد في ظل الأبعاد الخطيرة التي كشفها تقرير الوكالة الأمريكية للدراسات الإستراتيجية والاستخباراتية “ستراتفور”، والذي تحدث عن دعم إيراني للحوثيين بالسلاح والمعدات عبر طريق يبدأ من ميناء عصب الإريتري ويلتف شرقا حول الطرف الجنوبي من بحر العرب إلى مدينة شقرة على الساحل الجنوبي لليمن، فضلا عن نقلها مقاتلين من حزب الله اللبناني إلى صعدة لتدريب مقاتلي الحوثي .

ولم تتوقف المواجهات بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين طوال العام 2009 برغم الهدنة المعلنة بين الجانبين، غير أنها أخذت شكل الحرب الواسعة في 11 أغسطس/ آب الماضي مع بدء الجيش اليمني عملية “الأرض المحروقة” التي تعهد الرئيس علي عبدالله صالح أن يتم فيها القضاء على التمرد نهائيا مهما كان الثمن .
واندلعت الحرب السادسة في صعدة غداة إعلان اللجنة الأمنية العليا بدء التحرك العسكري الواسع للتصدي للمتمردين ودعوتها المواطنين دعم الجيش لمواجهة عناصر التخريب والإرهاب في إطار عملية “الأرض المحروقة”، التي قررت صنعاء خوضها بعد موجة قتال متقطع بين الجانبين رافق جهود وساطة محلية فشلت في السيطرة على التداعيات على الأرض ليحتدم القتال بعدها في مديريات حيدان، ضحيان، رازح، قطابر، منبه، غمر، ساقين، شدا والملاحيظ وفي مدينة صعدة، وكذلك في مديرية حرف سفيان بمحافظة عمران .

وخلال المواجهات العنيفة في الحرب السادسة فقد خلفت مئات القتلى والجرحى من الجانبين أخفقت كل جهود الحل السياسي السلمي، خصوصا بعد رفض الحوثيون مبادرتين للحكومة اليمنية لإنهاء الحرب والعودة إلى السلام .

وقد أدى رفض الحوثيين لهذه المبادرة وتأكيدهم الالتزام باتفاقية الدوحة أساسا للسلام إلى توسع هوة الخلافات بين الجانبين، ما دعا صنعاء إلى الإعلان عن أنها مضطرة إلى مواصلة الحرب مكرهة بسبب ضيق الخيارات، وهو ما أكده الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي أعلن أن خيار الحسم العسكري أصبح الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة لحسم التمرد .
وبرزت الأوضاع المأساوية للنازحين الذين اجبروا على ترك منازلهم وقراهم جراء الحرب السادسة التي اندلعت في معظم مديريات محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان بعمران كتحد كبير أمام الحكومة اليمنية، خصوصا بعدما تجاوز عدد المدنيين النازحين ال 180 ألف نازح منتشرين في محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة، فضلا عن آلاف النازحين العالقين في مناطق المواجهات وفي مناطق الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية .
وقد كشف تقرير حكومي منشور في موقع الحزب الحاكم "المؤتمرنت" بتاريخ الأحد, 16-أغسطس-2009 عن تعرض محافظة صعدة خلال خمسة أعوام (2004-2008) لأعمال عنف وتخريب قامت بها عصابات الإرهاب والتخريب التابعة للإرهابي عبد الملك الحوثي.
وقال تقرير الأداء الحكومي اليمني للعام 2008م ان أعمال التخريب والإرهاب تسببت في إحداث عدد من الخسائر البشرية والأضرار المادية بالممتلكات الخاصة والمنشآت العامة والبنى التحتية في المحافظة ، وأدت إلى عرقلة جهود التنمية في المحافظات التي أصيبت بحالة من الجمود وتعرضت لشلل شبة تام.
وأضاف التقرير أن من بين تلك الأضرار المادية امتداد الأضرار المادية الناتجة عن أعمال التخريب والإرهاب بصعدة إلى (11) مديرية من مديريات المحافظة ، مؤكدا ان بيانات النتائج النهائية لحصر الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة التي قام بها صندوق أعمار صعدة أظهرت تعرض(11) مديرية هي( سحار- مجز- الصفراء- رازح – كتاف- غمر- قطابر- الظاهر- شداء- ساقين - حيدان) لأضرار مادية في الممتلكات الخاصة والمنشآت العامة .

وأعتبر التقرير أن مديرية سحار هي أكثر المديريات تضررا بواقع 3.820 منشأة عامة وخاصة تليها مديرية مجز بعدد 2.547 منشأة عامة وخاصة ، ثم مديرية حيدان التي تضررت فيها 1.717منشأة عامة وخاصة. فيما اعتبرت مديرية شداء من أقل المديريات تضررا بواقع (3) منشآت عامة فقط ، تليها مديرية الظاهربـ(15) منشاة عامة ، ثم مديرية غمر التي تضررت فيها(22) منشأة عامة وخاصة.

وقال التقرير الحكومي ان إجمالي عدد المنشآت العامة التي طالها التخريب بلغت خلال نفس الفترة (9) ألاف ،و (730) منشأة : توزعت على عدد(9) ألاف و(308) منشأة خاصة بنسبة 96% من إجمالي المنشأة المتضررة ، و(422) منشأة عامة بنسبة 4% من أجمالي المنشآت المتضررة .

وتعرضت المنازل الخاصة بالمواطنين للعدد الأكبر من الأضرار -بحسب التقرير- حيث بلغ عدد المنازل المتضررة (7) ألاف ،و(529) منزلا بنسبة 77% من أجمالي المنشأة المتضررة( عامة- خاصة) ونسبة 81% من إجمالي عدد المنشآت الخاصة المتضررة ، بما يشير ذلك إلى أن مدبري أعمال الإرهاب والتخريب قد استهدفوا إحداث رد فعل معادية للدولة والثورة والجمهورية بين أوساط المواطنين.

وأوضح التقرير أن الأضرار الواقعة في المنشآت العامة توزعت ما بين العديد من المرافق العامة والحكومية والمشاريع التنموية والخدمية ، وقال: ان المساجد جاءت في مقدمه المنشآت التي تعرضت للأضرار حيث بلغ عدد المساجد المتضررة (287) مسجداً بنسبة 68% من إجمالي المنشآت العامة المتضررة ، تليها المدارس بعدد(100) مدرسة متضررة بنسبة بلغت 24% وهو الأمر الذي يتضح منه بجلاء مقدار الحقد الذي ملاء قلوب وعقول عصابات الإرهاب والتخريب حتى على منابر الإيمان ودور العبادة ومنشآت التنوير والتعليم لتصيبها نيران أحقادهم.

وتطرق التقرير إلى امتداد الأضرار في أعمال الإرهاب والتخريب لتشمل مديرية حرف سفيان في محافظة عمران ، ومديرية بني حشيش في محافظة صنعاء.
وقال التقرير ان إجمالي الأضرار الواقعة في المنشآت العامة والخاصة بالمديريتين بلغت(1241) منشأة توزعت على (1186) تهديم للمنازل ، وتضرر(12) مدرسة، و5 منشات خاصة أخرى وتهديم (5) مراكز صحية ، ومركز للشرطة، و(30) مسجداً ، إلى جانب تضرر (4) منشآت عامة أخرى.
وبخصوص الخسائر التنموية التي طالتها أيدي عناصر التمرد الحوثي بيَن التقرير أن الخسائر تشكلت من عدة نقاط منها : التوقف شبة التام لحركة التنمية في المحافظة وحرمانها من عدد كبير من المشاريع التنموية والخدمية وتخلفها في مسيرة التنمية عن المحافظات الأخرى نتيجة عدم قدرتها على الاستفادة من الجزء الأكثر من المبالغ المخصصة لمشاريع التنمية، وتعرض عدد كبير من المشاريع غير المكتملة والتي كانت تحت التنفيذ للتوقف في أعمالها الإنشائية مما أدى إلى حدوث التعثر في بعضها والتدمير الكلي أو الجزئي لبعضها الآخر، وامتناع معظم المقاولين عن تنفيذ أية مشاريع جديدة او حتى استكمال مشاريع كانوا قد بدءوها، وتوقف عدد من المنشآت الخدمية عن تقديم خدماتها للجمهور أو تعثرها وتعرض خدماتها للقصور والضعف نتيجة عدم التمكن من إيصال التجهيزات والمستلزمات اللازمة لتسيير أعمالها، وتعرض عدد كبير من مواطن المحافظة الخسائر غير منظورة في بيعهم وتجارتهم وإنتاجهم الزراعي والحيواني نتيجة نزوحهم عن قراهم وهجرهم لمنازلهم وتركهم لمصادر عيشهم، إلى جانب ما أدت إليه أعمال التخريب من قطع للطرق وإقلاق لحالة الأمن والسكينة العامة الأمر الذي أثر بصورة سلبية على استقرار المواطنين وجعلهم غير قادرين على التمكن من ممارسة أنشطتهم وأعمالهم.
وفي مجال الجهود الحكومية لمعالجة الإضرار وإعادة الإعمار- قال التقرير - ان الحكومة سعت إلى تنفيذ عدة إجراءات لإعادة الإعمار من بينها تشكيل اللجنة الأمنية العليا المشتركة لمعالجة آثار وتداعيات الفتنة بمحافظة صعدة وإنشاء صندوق مستقل لإعمار صعدة واعتماد مبلغ (10) مليار ريال لإعادة الإعمار، حيث قام الصندوق بعدة إجراءات منها حصر الأضرار التي لحقت بالمنشآت العامة والخاصة وإعادة إعمار المناطق المتضررة.
وأضاف التقرير أن صندوق إعمار صعدة عمل على إصلاح وترميم الأضرار الواقعة في المنشآت التعليمية المتضررة حتى يتمكن أبناء المناطق التي شهدت أعمال عنف وتخريب من مواصلة تعليمهم دون تأخير عن الجدول الدراسي، حيث تم الانتهاء من إصلاح وترميم (12) مدرسة وتسليمها بتكلفة إجمالية بلغت (48) مليون ريال، ومواصلة ترميم وتأهيل وتوسعة عدد من المدارس والمباني العامة لعدد (29) مشروعاً تعليميا و(13) مباني عامة ،إلى جانب تنفيذ مشاريع خدمية جديدة نفذها الصندوق العام الماضي وبلغ عددها ( 12) مشروعا بتكلفة 235 مليونا و (515) ريال توزعت على (4) مشاريع تعليمية و(5) مشاريع مياه ، ومشروعين مباني عامة ومشروع طرق.

واختتم التقرير أن صندوق إعمار صعدة دشن بداية العام الجاري 2009م تنفيذ المرحلة الأولى لإعادة إعمار منازل المواطنين المتضررة من خلال تسليم شيكات القسط الأول من مبالغ إعادة الإعمار من المستفيدين في عدد من المناطق المتضررة.
وكانت السلطة المحلية رصدت في تقرير حديث الخروقات والجرائم الإرهابية التي ارتكبها عناصر التمرد الحوثي منذ إعلان وقف إطلاق النار منتصف 2008م حتى يوليو العام 2009م .


*الحراك في بعض المحافظات الجنوبية في عام 2009م وتحولاته الدرامية من السلمية إلى ممارسة العنف المسلح

تشير عملية الرصد والمتابعة لنشاط عناصر ومنظمات الحراك في بعض مديريات المحافظات الجنوبية لليمن للعام 2009م ، إلى تفاعلات ملحوظة في تحولاته الدرامية من مرحلته السلمية إلى ممارسته للعنف المسلح وبالتالي ازدياد حالات العنف في بعض مديريات المحافظات الجنوبية،وان لم تختلف كثيراً عن حالها السابق خلال العام 2008م ،بفارق تنامي حالة العنف والإرهاب لدى قيادات مايسمى بالحراك الجنوبي بعد انضمام قيادات من تنظيم القاعدة الإرهابي إليه ،وتأييده رسميا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ،والذي عبرا عنه بسلسلة تظاهرات احتجاجية لأنصار “تنظيم القاعدة والحراك الجنوبي” والذين رفعوا معا وبصورة علنية وأكثر حدة هذا العام شعار انفصال الجنوب عن الشمال و”الكفاح المسلح من أجل تحقيق الاستقلال الثاني واستعادة دولة الجنوب” إلى حديثهما المتصاعد عن قرارات الشرعية الدولية التي تعطي الجنوب الحق في “تقرير المصير” .

وكان المستجد الأكثر خطورة أن سجّل العام الجاري عشرات الحوادث الجنائية التي تعرض لها مواطنون ينتمون إلى المحافظات الشمالية بدواعي الكراهية ، فضلا عن عدد من الهجمات على المرافق الحكومية المدنية والعسكرية والاغتيالات في بعض مديريات المحافظات الجنوبية على خلفية أحداث العنف الذي تؤدي إليه تظاهرات الحراك الجنوبي .

وقياسا إلى مطالب الفعاليات السياسية في معالجة آثار حرب صيف 1994 وإعادة الجنوب إلى مكانته في المعادلة الوطنية ووضعه في إطاره السياسي التاريخي كشريك أساسي في صنع الوحدة، بدا أن تفاعلات الحراك الجنوبي خرجت عن السيطرة بالشعارات السلمية التي تبنتها مكونات الحراك الجنوبي والتي دعت إلى الكفاح المسلح لإنهاء ما اعتبرته “احتلالا شماليا للجنوب” و “هيمنة من قبل صنعاء على السلطة والثروة” .

وقد شكل الظهور المفاجئ لنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض بعد 15 سنة من صمته في المنفى وإعلانه قيادة مشروع الانفصال او ما سماه “ فك الارتباط” محطة مفصلية في تفاعلات الحراك الجنوبي ،حيث كان للبيض دور رئيسي في نقل عناصر الحراك الجنوبي إلى ساحة المواجهة المسلحة والتمرد على النظام القائم في معركة أسماها“ معركة تقرير المصير “.
كما شكل انضمام الشيخ طارق الفضلي وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة ومن وجهاء محافظة أبين محطة ثانية هامة في مسار “الحراك الجنوبي” خصوصا بعدما اتجهت بعض مكوناته إلى رفع شعار الكفاح المسلح لأول مرة .
وأنتجت هذه التطورات لأول مرة خطابا دمويا مغايرا لدى قوى وعناصر “الحراك الجنوبي” الذي اتجهت إلى العنف المسلح وتحميل النظام الحاكم “مسؤولية إفشال مشروع الوحدة وكل الأضرار التي حدثت في الجنوب بسبب حرب صيف 1994” .
في مقابل ذلك اتجهت الحكومة اليمنية إلى مباشرة واجباتها الدستورية في الحفاظ على النظام القائم عبر ترتيبات أمنية وعسكرية في المحافظات الجنوبية،مثل فرضها إجراءات تفتيش في مداخل المدن وإغلاق الطرق بين بعض المديريات في أوقات معينة إلى شنها حملة اعتقالات طالت العشرات من قيادات الحراك أو من تصفهم ب “المخربين”، ناهيك عن مباشرتها حملة توعية واسعة لحشد الرأي العام حولها لمواجهة ما اعتبرته “مؤامرة دولية على الوحدة اليمنية” ودعوتها إلى الاصطفاف الوطني باعتباره واجبا دينيا ووطنيا من أجل مواجهة دعاة الانفصال .

كما دفعت تطورات الأزمة في الجنوب الحكومة اليمنية إلى توجيه طلب رسمي إلى الحكومتين السعودية والعمانية “لتسليمها عناصر يمنية مقيمة في الدولتين” بدعوى استغلالها “وجودها في البلدين لممارسة أعمال عدائية ضد اليمن ووحدته وأمنه واستقراره” .
وبرغم أن الرئيس اليمني أطلق مبادرات للحل والحوار الوطني استنادا إلى نتائج مؤتمرات للسلطة المحلية بالمحافظات ومشروع التعديلات الدستورية التي قالت إنها ستتيح حكما محليا واسع الصلاحيات، إلا أن هذه الحلول لم تكن مقبولة من قيادات الحراك الجنوبي الذي بدأ سلميا وانتهى دمويا ، ولتتحول التظاهرات تاليا إلى وسيلة لعرض العضلات والتصفيات الدموية بين فعاليات “الحراك الجنوبي والشرطة من جهة والحراك” و “هيئات حماية الوحدة التي شكلت برعاية شعبية ورسمية ” من جهة ثانية.

*تقييم جهود الحكومة اليمنية المبذولة لمواجهة عناصر الإرهاب والتمرد وعنف الحراك

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، كانت اليمن مسرحاً لعمليات إرهابية وعدداً من الأحداث الإجرامية منها تفجير المدمرة الأمريكية(يو أس أس كول)، وناقلة النفط الفرنسية (ليمبورج) وحدوث بعض التفجيرات في صنعاء وعدن , وظهور تمرد الحوثيين في صعده منذ 2004م أضرت كثيراً بالإستقرار والأمن والسكينة العامة مما انعكس بدوره على سمعة البلاد وعلى التنمية والاستثمار بوجه عام والنشاط السياحي .
لكن استمرار سياسة الجمهورية اليمنية الواضحة في مكافحة الإرهاب والتعاون مع المجتمع الدولي مثّل نجاحاً مشهوداً ،حيث كان الاصطفاف الوطني لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ضرورةً حتميةً خرج الجميع بموجبها ملتزمين بوضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار ومساندة الحكومة في جهودها لمواجهة الإرهاب وحماية حقوق الناس وممتلكاتهم وأعراضهم. ومن أجل ذلك قامت الجمهورية اليمنية باتخاذ العديد من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بوصف اليمن شريكاً في مكافحة الإرهاب مراعيةً في ذلك تطبيق وتنفيذ القوانين اليمنية النافذة ، إدراكاً من الحكومة أنه يجب أن لا تطغى قضية مكافحة الإرهاب على القانون وحقوق الإنسان المرعية فيه ومن تلك الإجراءات :

أولاً : ـ انتهاج اليمن مبدأ الحوار الفكري مع المغرر بهم والمتمردين والإفراج عمَّن أعلنوا التزامهم بالنظم والقوانين : ـ
تم تشكيل لجنة للحوار الفكري مع من تم احتجازهم نتيجة لتورط بعضهم في أعمال إرهابية يجرمها القانون وانحراف تفكير البعض الآخر واعتقادهم أن ارتكابهم تلك الأعمال الإرهابية هو شكل من أشكال الجهاد ، وقد وُجِد لدى بعضهم مخططات وترتيبات للضلوع في أعمال إرهابية تم إفشالها قبل تنفيذها ,وقد تم تدشين أربع جولات من الحوار ،بدأت الجولة الأولى منذ مطلع عام 2002م وقد تمكنت اللجنة خلال تلك الجولات من إقناع (353) شاباً من العائدين من افغانستان بما كانوا عليه من خطأ وسوء فهم لمعاني الدين الإسلامي , وتم الإفراج عن العديد من الذين أعلنوا تقيدهم بالقوانين النافذة ولم يرتكبوا جرائم وأعمالاً يعاقب عليها القانون , ويأتي هذا تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية، والنتائج التي توصلت إليها لجنة العلماء في حوارها الفكري مع المعتقلين ممن تم التغرير بهم وكانوا يحملون أفكاراً متطرفة .
نتائج لجنة الحوار الفكري :
1- نبذ العنف والتطرف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره ، وطاعة ولي الأمر ، والالتزام بالدستور والقوانين النافذة ، ومنها قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية.
2- المحافظة على الأمن والاستقرار والابتعاد عن أي عمل يخل بأمن اليمن واستقلالها واحترام حقوق الغير ومنها حرمة دمائهم، وأموالهم وأعراضهم، وعدم التعرض أو المساس بمصالح الدول التي تربطها معاهدات مع الجمهورية اليمنية، ما دام العهد قائماً، واعتبار الاذن الذي تمنحه السلطات اليمنية لشخص ما بدخول اليمن أماناً له حتى ينتهي بقرار من السلطة المختصة قانوناً ولا يجوز لأي شخص المساس بالذي أُعطي الأمان من الدولة .
3- فتح باب الأمل أمام هؤلاء الشباب وغيرهم وبإمكانهم أن يعيشوا آمنين وأن يتمتعوا بكافة حقوقهم وحرياتهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي كانت موجودةً لدى بعضهم عن الإسلام كونها تشكل خطراً على الإسلام والمسلمين لا يقل عن خطر المخططات والمكائد التي يضعها الأعداء .
4- التوصل إلى نزع فتيل المواجهة الدموية بين هؤلاء الشباب والأجهزة الأمنية وتثبيت الأمن والاستقرار ، والإفراج عن الأشخاص الذين شملهم الحوار .

ثانياً : ـ إحالة جميع المتورطين في قضايا الإرهاب والتمرد والحراك إلى القضاء :
تم إحالة أغلب المتورطين في قضايا الإرهاب والتمرد الحوثي والحراك إلى القضاء اليمني المختص والمتمثل بالمحاكم الجزائية المتخصصة ،حيث كانت المحاكم الجزائية المتخصصة قد استمرت في محاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب وجرائم التفجيرات والتمرد الحوثي وجرائم الدموية التي يرتكبها بعض المنضويين في مايسمى بالحراك الجنوبي والتي شهدتها بعض المناطق اليمنية خلال الفترة الماضية, ولقد روعي أن تتم محاكمة المحتجزين وفقاً للضمانات المكفولة لهم في الدستور و القوانين اليمنية والتي من بينها :
1. إتاحة الفرصة للمعتقلين لمقابلة زائريهم من الأهل والأقارب, كما تم السماح لبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم والجلوس معهم.
2. المحاكمات علنية ولا تتم إلا في وجود محامين وتوفر لهم اغلب الضمانات المكفولة لهم أثناء التحقيق أو المحاكمة .
3. أحقية كل الذين تم الإفراج عنهم في تقديم أي تظلمات بسبب أي أعمال تم ارتكابها في حقهم أثناء تواجدهم في المعتقل .

ثالثاً إقرار القوانين والمصادقة على الاتفاقيات المتعلقة بمواجهة الإرهاب :
بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومة الجمهورية اليمنية لمواجهة ظاهرة الإرهاب ومواجهة تحدياتها المباشرة وغير المباشرة قامت ضمن الخطة المعدة لذلك بما يأتي:
_ إقرار القانون رقم 35 لسنة 2003م بشأن مكافحة غسل الأموال ، ويحتوي القانون على (24) مادة موزعة على ثمانية أبواب .
- تقديم مشروع قانون جديد لتنظيم حيازة الأسلحة إلى مجلس النواب لإقراره.
- بالإضافة إلى ذلك فإن اليمن كغيرها من الدول العربية معنية أيضاً بتنفيذ القرارات والاتفاقيات التي أقرتها الحكومات العربية في مجال مكافحة الإرهاب وبالذات ما يلي : ـ
1. القرار رقم (275) بشأن مدونة قواعد سلوك للدول الأعضاء في مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس عام 96م.
2. الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب المقرة في تونس عام 97م.
3. الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة من مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب القاهرة , أبريل عام (1998م).
- المصادقة على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمواجهة الإرهاب على المستوى العالمي والمبينة كما يلي :
1 اتفاقية قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل 23ابريل 2001م
2 اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية 30 يونيو 2002م
3 برتوكول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنصات الثابتة على الجرف القاري 30 يونيو 2002
4 اتفاقية مكافحة أخذ الرهائن 14 يوليو2000 م
5 اتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها. 9 فبراير 1987م
6 اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (اتفاقية مونتريال ) 29سبتمبر 1986م
7 اتفاقية لاهاي بشأن قمع الاستيلاء غير المشروع للطائرات 29 سبتمبر 1986
8 اتفاقية طوكيو بشأن الجرائم وبعض الأعمال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات 26سبتمبر 1986م


رابعاً : فيما يتعلق بنشر ثقافة التسامح وتجفيف منابع التطرف : ـ
قامت الحكومة بإعادة النظر في الخطاب الإعلامي والثقافي والديني , الذي يشمل كلاً من الصحافة والمنابر الإعلامية والتوجيه والإرشاد. و مع بداية العام الدراسي (2001ـ2002م) عملت وزارة التربية التعليم على توحيد التعليم الأساسي , والثانوي حيث تم دمج ما كان يسمى التعليم الديني (المعاهد العلمية) الذي كان يمثل تعليماً موازياً للتعليم العام ويتصف بالاستقلال الإداري والمالي عن وزارة التربية و التعليم . وهذا التوحيد ساعد على توحيد الجهود والطاقات واستثمار الموارد المتوفرة استثماراً أفضل.

*تقييم وضع حقوق الإنسان في اليمن في ظل مكافحة الإرهاب والتمرد الحوثي والحراك :
إنه من المسلم به وجود عدة مشاكل وصعوبات في ظل جهود الحكومة اليمنية في مكافحة الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة في بعض المناطق اليمنية ،والمتمردين الحوثيين في صعده شمالا وأحداث العنف في الحراك الجنوبي وتأثير هذه المشاكل المباشر وغير المباشر في حقوق الإنسان ، فالحكومة اليمنية في هذا الجانب تقر ببعض التجاوزات الشخصية وغيرالممنهجة في إطار تطبيقها للنظام والقانون والشرعية الدستورية ،ولا تدعي الكمال في الإعمال الدائم والمستمر لحقوق الإنسان ، ولا تدعي أيضاً أن حالة حقوق الإنسان لم تتغير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ليس في اليمن فحسب بل وفي العالم أجمع ، بما فيها تلك الدول التي قطعت أشواطاً كبيرةً في مجال حقوق الإنسان بل على العكس من ذلك فإن الأوضاع المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها اليمن تؤدي بشكل أو بآخر إلى حدوث بعض الإشكاليات في مجال التعاطي السليم مع حقوق الإنسان وحرياته ، وهو الأمر الذي تدركه اليمن جيداً ، وتسعى من خلال مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والمجتمع الدولي أيضاً إلى إيجاد الحلول الجذرية لبعض أوجه الإختلالات المجتمعية والمؤسسية بهدف إفشاء ثقافة حقوق الإنسان ، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية والقضائية للقيام بدورها في إعمال القوانين والأنظمة بما يضمن سلامة التطبيق في حفظ حقوق الإنسان وصونها .
كما أن الدولة وفي إطار تعاطيها مع قضايا المحتجزين على ذمة الإرهاب والتمرد الحوثي وعنف الحراك قد رحبت برقابة المنظمات المحلية والدولية المهتمة بهذه القضايا ومن ضمنها الصليب الأحمر ، ومنظمة العفو الدولية ، وأتاحت لها فرصة اللقاء بكبار المسئولين في الدولة والأجهزة الأمنية فيها ، وسهلت لهذه المنظمات دخول مرافق الحجز ومقابلة المحتجزين فيها، وغير ذلك من الإجراءات التي تؤكد الالتزام الحكومي ، وحرصها على الإسهام الفاعل مع منظمات المجتمع المدني في ترسيخ ونشر قيم ومبادئ حقوق الإنسان كمنظومة شاملة بالتعاون مع كافة المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجالات حقوق الإنسان للاستفادة من تجاربها وخبراتها للوصول إلى الهدف المنشود في الرقي بحقوق الإنسان .
وبالإجمال يمكننا القول إن وضع حقوق الإنسان في اليمن في ظل مكافحة الإرهاب والتمرد الحوثي وعنف مليشيات الحراك نتيجة للجهود الأمنية التي تقوم بها الدولة ، لم تتأثر بشكل مباشر وخطير في شكل انتهاكات منهجية تمس حقوق الإنسان ، حيث يتم متابعة أي انتهاكات أو خروقات في مجال حقوق الإنسان ويتخذ في حق مرتكبيها الإجراءات القانونية .
وفي هذا الصدد نرى إن تشكيل رئيس الجمهورية للجان للحوار الوطني الشامل في نهاية عام 2009م من مجلسي البرلمان والشورى ومنظمات المجتمع المدني وقيادات الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية وقيادات علماء اليمن وقيادات السلطات المحلية المنتخبة ،من اجل الحوار ومناقشة وحل مشاكل اليمن بالحوار ،وعلى رأسها قضايا الإرهاب وتمرد الحوثيين في صعده وعنف الحراك في الجنوب ، وبشكل حيادي ومستقل ، إلا خير دليل على التعاطي الرسمي الجاد مع قضايا إعمال حقوق الإنسان من قبل الأجهزة الرقابية في الدولة .


2- ازدياد الفقر والبطالة وتباطؤ دوران عجلة التنمية
اليمن بلد فقير ،ويجمع اغلب الاقتصاديين والسياسيين أن مشكلة الفقر باليمن والحد من البطالة وتباطؤ دوران عجلة التنمية وغيرها ليس له طريق للحل سوى بدعم دولي لليمن ،من خلال مزيد من الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي خاصةً أن البلاد تتمتع بميزات استثمارية كبيرة سواءً في أرضها أو بسكانها ولم تستعمل هذه الميزات لصالح التنمية ووصل الاستثمار فيها إلى درجة متدنية وضعيفة بسبب التخريب الإرهابي ( القبلي والسياسي والأيدلوجي ) من جانب ،والفساد الإداري والمالي من جانب أخر ،فلو أن المجتمع قد تحول إلى رأي عام لمنع المفسدين في الأرض من أعمالهم تلك وقدم اليمنيون مثلاً رائعاً في هذا المجال لتوطن الاستثمار في البلد وحلت كثير من المشاكل .
هل الذي يحصل الآن في ساحة البلاد من الاضطرابات والقتال والمناكفات السياسية والحروب الكلامية وغيرها يساعد على التنمية والتغلب على أثار الأزمة الاقتصادية أم أن هذه الأحداث ستزيد الأزمة إستفحالاً والاقتصاد تردياً ليشمل قطاعات اجتماعية واسعة فتزداد مساحة الفقر وقلة الخدمات وتدني مستوى الدخل وبالتالي زيادة الإنفاق المالي على الأمن الذي كان من المفترض توجيهه نحو التنمية .
ويقتضي الإنصاف القول أن ما تحقق من إنجازات في المجال الاقتصادي حتى هذه اللحظة يعد بكل المقاييس إيجابي ،خصوصاً إذا ما قارنا الوضع الحالي بالفترة الماضية ،غير أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الإنجازات في هذا المجال, فنسبة عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر اليوم في حدود 40 في المائة ،وعدد المستفيدين من برامج الرعاية الصحية لا يتجاوز 40في المائة من إجمالي عدد السكان، والطاقة الكهربائية 35 في المائة ،ونسبة الذين يحصلون على مياه الشرب النقية في حدود 30 -40 في المائة .
وتشكل البطالة المرتقبة خطراً جدياً في ضوء وضع اليمن الديمغرافي ،حيث أن 46% من سكان البلاد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 0 -14 سنة ، وإذا لم يتم توفير فرص عمل وخلق فرص اقتصادية لهذه الفئة من السكان ، فإنه بمجرد وصولهم إلى سن الرشد قد يتحولون إلى مصدر تهديد ,خاصة إذا لم ينم الاقتصاد اليمني بما فيه الكفاية لتوفير فرص العمل للشباب .
ويزداد الأمر خطورة إذا أدركنا الطبيعة غير المتكاملة والحادة للتوزيع السكاني في اليمن ،فنسبة عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 0 – 14 سنة تصل إلى حوالي النصف (تحديداً 47%) ،ولا توجد مجموعات سكانية أخرى اقتربت من هذه النسبة إلى 22% فقط ،وعندما يصبح هؤلاء الشباب قوة عاملة في العقد التالي ،فإن الاقتصاد اليمني الحالي لن يكون قادراً على توفير فرص عمل لهم ، بحكم نموه البطيء وارتفاع معدل النمو السكاني .
ومن المحتمل أن يزداد حال الاقتصاد اليمني سوءاً ,إذا استمر تناقص عائدات النفط بسبب استنزاف احتياط اليمن من البترول وانخفاض قدرتها الإنتاجية ,إذ أن النفط يمثل ما بين 60 -70% من إجمالي إيرادات الحكومة اليمنية ،ومن ثم فإن نضوب احتياطات اليمن من هذه المادة سيشكل تحدياَ خطيراً لأمن اليمن المالي والاقتصادي .
ولا يعني ما سبق أننا وصلنا إلى طريق مسدود, بل على العكس من ذلك هناك إمكانية لدى اليمن لتنويع مواردها الاقتصادية بشكل معتدل ،إذ شهدت البلاد خلال الفترة الماضية نمواً اقتصادياً في قطاعات عدة, أهمها القطاع السمكي والسياحي وتصدير الجازولين ، وهو ما يستوجب العمل في قادم الأيام على تنمية هذه القطاعات وتطويرها ،بالإضافة إلى ذلك ،فإن البدء في تصدير الغاز المسال منتصف العام 2009م قد يعوض هو الآخر النقص في إنتاج النفط .
وطبقاُ لتصورات مؤسسات النقد الدولية ،فإن تجاوز التحدي الاقتصادي الذي تواجهه اليمن يتم من خلال تبني سياسيات نقدية جديدة للتغلب على التضخم والعجز في الميزانية العامة ،بالإضافة إلى إتباع الشفافية في إعداد ميزانيتها العامة ، الأمر الذي من شأنه التحجيم من نسبة التضخم وخلق البيئة الملائمة لتدفق الاستثمارات الأجنبية .
وإلى كل ذلك ،هناك حاجة لإزالة مخلفات الاقتصاد التشطيري, والذي مازال يلقي بظلاله السلبية على دولة الوحدة ، فخلال فترة ما قبل قيامها ،اعتاد أبناء المحافظات الجنوبية على أن توفر لهم الدولة كل احتياجاتهم من المأكل والمشرب والسكن والتعليم وغيره ، وكان اعتمادهم عليها اعتماداً كلياً ، وقد تجسد ذلك بوضوح عند اندماج شطري اليمن سابقاً ،حيث تبين وقتها أن عدد الموظفين الحكوميين في الجزء الجنوبي كان يبلغ ما بين 400 – 500 ألف موظف ،من أصل مليوني نسمة هم إجمالي عدد سكان الجنوب حينها ،فيما كان عدد الموظفين الحكوميين في الشطر الشمالي مابين 70 – 100ألف موظف من أصل 12مليون نسمة .
وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية الجديدة, لم يعد بمقدور الدولة القيام بمثل هذه الوظيفة واستيعاب كل مواطنيها في الجهاز الإداري ،الأمر الذي كان يفترض معه إحداث تغيرات اقتصادية تفضي إلى قوى العمل خارج إطار الدولة ،لكن ذلك لم يحدث بالمستوى المطلوب ،وعليه فقد استمر أبناء المحافظات الجنوبية في الاعتماد على الدولة ,وما يتحصلون عليه من مرتبات شهرية ،في وقت لم تعد فيه الرواتب تكفي لإشباع وسد كل احتياجاتهم نظراً لغلاء المعيشة ،وهنا تكمن المفارقة ، ولا سبيل لتجاوز هذه الإشكالية إلا بدفع أكبر قدر ممكن من الاستثمارات إلى تلك المناطق ،وإقامة مشاريع اقتصادية كبرى سواء بشكل منفرد أو من خلال الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص .

3- الفساد
ليس من المبالغة القول أن الفساد بمظاهره وتجلياته المختلفة بات يشكل اليوم واحداً من أهم وأخطر التحديات التي تواجه اليمن, بل ومن أكثرها شرراً على وحدة المجتمع وتماسكه ،خصوصاً وأنه لم يعد مقتصراً على مؤسسات الدولة كما يرى البعض ،وإنما انتقل أيضاً إلى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ,بحيث أضحى الفساد ظاهرة عامة واقتصاداً مستقلاً بذاته ،له قوانينه وحساباته الخاصة البعيدة تماماً عن الهم الوطني العام .
وخطورة الفساد لا تأتي من تسببه في إهدار الموارد الثروات الوطنية وإعاقة عملية التنمية وحسب ،بل تمتد حلقاته إلى إفساد آليات إدارة السلطة ,والى إصابة الأجهزة الإدارية والمؤسسات الدستورية بالشلل والجمود وعدم الفاعلية ،وفي وجوده أيضاً – أي الفساد – تصبح المصالح العامة مصالح خاصة, وتتحول المصالح الخاصة إلى مصالح عامة ، وتضعف المعايير والموازين العادلة في توزيع الثروة وتكافؤ الفرص ،وهو إلى جانب ذلك يخلق الأحقاد والضغائن بين أبناء المجتمع الواحد ,ويضعف الشعور بالانتماء والمواطنة المتساوية, ويولد الكراهية والانقسام ،كما يثبط الجهود الرامية إلى الحصول على المساعدات الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ،ويمنع المنظمات الدولية من تقديم المساعدة والدعم لبرامج اليمن المختلفة .
ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن الفساد يمثل أحد الأسباب الرئيسية للمشاكل التي تعاني منها اليمن،بما في ذلك ما يحدث في المناطق الجنوبية حالياً ،فلولا هذه الآفة الخطيرة لما تضاعفت مشكلة الأراضي على هذا النحو وما وصلت قضية المتقاعدين إلى ما هي عليه اليوم .
وإذا كانت الحكومة اليمنية قد بدأت منذ منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي بتنفيذ العديد من الإجراءات للحد من مظاهر الفساد والقضاء عليه ،هذه اللحظة لم يتم بشكل كامل ولاسيما في الجانب الإداري ،ويحسب للبرنامج حتى أنقذ الاقتصاد من الانهيار وأوصله إلى حالة من الثبات ،إلا أن الطموح لا يجب أن يتوقف عند هذا الحد بالتأكيد بل ينبغي التطلع مستقبلاً إلى مرحلة الانتعاش وتحقيق معدلات نمو مرتفعة .

4- أزمة الإصلاح السياسي
يمكن القول تجاوزاً أن بداية عملية الإصلاح السياسي في اليمن تعود إلى أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي ,عندما أعلنت الجمهورية اليمنية وقتها تبنيها النهج الديمقراطي القائم على مبدأ التعددية السياسية ، كخيار لنظام الحكم وذلك بهدف توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام .
ومن ذلك الحين ،وحتى اليوم تسير عملية الإصلاح السياسي بشكل تدريجي ،ففي بداية الأمر اقتصرت المشاركة على إعطاء الشعب الحق في اختيار ممثليه في السلطة التشريعية (مجلس النواب ) ،ثم توسعت المشاركة بشكل أفضل في عام 1999م عندما أعطي الشعب الحق في إختيار مرشحة لمنصب رئيس الجمهورية ،غير أن هذه الخطوات ظلت قاصرة ودون المستوى المطلوب ،إلى أن حل العام 2001م حينها توجه المواطنون على صناديق الانتخابات لاختيار أعضاء المجالس المحلية ، على مستوى المديريات والمحافظة ،فيما تولت السلطة المركزية تعيين محافظي المحافظات ومديري المديريات كرؤساء للمجالس المحلية المنتخبة ، ومع أن هذه العملية مثلت خطوه مهمة باتجاه توسيع المشاركة المجتمعية في دائرة صنع القرار إلا أنها لم تفض إلى تحميل المواطنين مسؤولية إدارة شؤونهم ،وظلوا بالتالي يحملون المركز مسئولية الأخطاء والتجاوزات والمشاكل التي تواجههم على مستوى مناطقهم .
وعليه فقد كان من الضروري التقدم خطوات أخرى باتجاه الإدارة اللامركزية ،وهذا ما حدث في عام 2008م ،عندما جرى انتخاب محافظي المحافظات من قبل أعضاء المجالس المحلية ،وهذه الخطوة على ما يبدو غير كافية ولا تؤدي إلى تحقيق الهدف النهائي لعملية الإصلاح السياسي المتمثل بتوسيع مشاركة المجتمع في دائرة صنع القرار ،ومن ثم تظل الحاجة قائمة لخطوة أكثر جرأة في المرحلة المقبلة ،وبما يضمن تطبيق نمط الإدارة اللامركزية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، والتخلص من الفكرة الشائعة التي مفادها "إن توسيع صلاحيات المجالس المحلية وإقامة نظام حكم محلي واسع الصلاحيات يشكل تهديداً للوحدة ، على اعتبار أن ذلك قد يفسح المجال لبروز المناطقية على حساب الدولة المركزية ، وهذه فكرة ثبت خطئها وبطلانها ،وذلك لسببين اثنين ،أولهما أن الدولة في الوقت الحاضر لم تعد قادرة على القيام بكل الوظائف لوحدها وصار من المتعارف عليه اليوم أن معظم دول العالم تسعى لإشراك المجتمع في القيام بوظائفها .
وثاني هذه الأسباب هو أن إدارة البلد بطريقة مركزية ، حتى وإن استندت إلى تكنولوجيا وبيروقراطية تبدو حديثة ،لم تعد تناسب التغيرات المجتمعية المحلية وكذلك المعطيات الإقليمية والدولية المحيطة ،ربما كانت تلك الإدارة تناسب فترة ما قبل نهاية الثمانينات من القرن الماضي أما في الوقت الحاضر فإنها ليست فقط غير مناسبة ،بل إن استمرارها يشكل عبئاً وتكلفة باهظة ليس على القائمين عليها فقط وإنما على البلد والدولة والمجتمع ،أضف على ذلك ،حقيقة بشرية وهي عدم إمكانية وقدرة أي قيادة مهما أوتيت من قدرات ورغبات على حل مشاكل أفراد المجتمع,بل ستظل أسيرة الناقل والوسيط الذي يتحكم بمن يدخل ويمن يخرج ،ثم بعد ذلك للشارح و المنفذ والمتابع ،وكلها حلقات يصعب التحكم بكفاءتها .
ولتجاوز هذه المشكلة لابد من الانتقال إلى نمط الإدارة اللامركزية عبر إقامة نظام حكم محلي كامل الصلاحيات ,وبما يضمن إدخال المواطن إلى دائرة الحكم وصناعة القرار بدلاً من أن يكون خارجها وتحمل مسئولياته.
أزمة سياسية مزمنة 2009م
يستقبل اليمنيون العام 2010م فيما لم تنقشع بعد غيوم الأزمات التي شهدتها الساحة خلال العام 2009م سواء الحرب التي يخوضها الجيش مع المتمردين الحوثيين في محافظتي صعدة وعمران أو في الحرب التي يخوضها الأمن اليمني ضد خلايا تنظيم القاعدة الإرهابي في بعض المناطق اليمنية ،أو في الأوضاع المضطربة في المحافظات الجنوبية من البلاد .
يضاف إلى ذلك الأزمة السياسية بين الحكم والمعارضة بشأن التعديلات الدستورية والنظام الانتخابي والإصلاحات السياسية التي ينظر إليها بكونها واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة، وينتظر أن تكون حاضرة بقوة في تفاعلات المشهد السياسي العام 2010م ، خصوصا مع اقتراب الموعد الدستوري للانتخابات البرلمانية التي اتفق أطراف المعادلة السياسية على تأجيلها سنتين أملاً في توافق سياسي يخرج اليمن من نفق الأزمة .
استقبل اليمنيون العام 2009 بأزمة سياسية ثقيلة سببتها الخلافات بين الحكم والمعارضة بشأن الانتخابات التي كان مقررا تنظيمها في إبريل/ نسيان 2009م وانتهت بتوقيع اتفاق على تأجيل الانتخابات سنتين ،ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى تجددت أزمة المواجهات بين الجيش والمتمردين الحوثيين في صعدة فيما عرف ب “ الحرب السادسة”، والتي تفاقمت أبعادها العسكرية والإنسانية بوتيرة عالية لتتوسع تاليا إلى مواجهات بين المسلحين الحوثيين والجيش السعودي بعد تسلل الحوثيين إلى أراضيها عبر منطقة جبل الدخان ودخول الرياض طرفا في الأزمة، ما أضفى المزيد من التعقيد على هذه القضية التي بدأت تأخذ طابعا إقليميا، خصوصا مع اتهام صنعاء لمؤسسات شيعية في إيران وبلدان عربية أخرى بدعم تمرد الحوثيين، فضلا عن الاتهامات الدولية لإيران بتزويد المتمردين بالسلاح والمدربين .
وقياسا بأزمة الحرب في صعدة وعمران والجنوب تأتي الأزمة السياسية كواحد من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة اليمنية والتي يتوقع أن تكون عنوانا بارزا في تفاعلات المشهد اليمني خلال العام القادم .

وثمة من يرى ألا مؤشر في الأفق على مغادرة اليمنيين أجواء الأزمة السياسية خلال العام 2010 الذي يتوقع أن يشهد تفاعلات خطيرة في قضية التعديلات الدستورية وتعديل قانون الانتخابات والإصلاحات السياسية في ضوء اتفاق فبراير/شباط 2009 الذي وقعه حزب المؤتمر الحاكم بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك ستة أحزاب سياسية من اليسار والإسلاميين) والقاضي بتأجيل الانتخابات البرلمانية سنتين والبدء بحوار سياسي لإنجاز مشروع التعديلات الدستورية وتعديلات قانون الانتخابات والحوار بشأن الإصلاحات السياسية.

وبرغم إقرار الأطراف السياسية التي وقعت اتفاق فبراير بأن الاتفاق جاء في إطار المساعي التي توسط فيها الإتحاد الأوروبي لحل الأزمة السياسية العاصفة للخروج بصيغة توافقية، إلا أنها من الناحية العملية لم تقدم جديدا من جهة توصلها إلى تسويات للقضايا الخلافية السياسية والانتخابية، بل صعدت من خلافاتها التي أنتجت حال احتقان امتد إلى معظم محافظات البلاد .

لقد فاجأت أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك الجميع عندما أعلنت مطلع العام 2009م عدم مشاركتها في الانتخابات التي كان مقررا تنظيمها في إبريل/نيسان 2009م بحجة تفرد حزب المؤتمر الحاكم بمفاصل العملية الانتخابية، ناهيك عن احتجاجها على قراره تأجيل الانتخابات المحلية التي كان مقررا تنظيمها بالتزامن مع الانتخابات التشريعية ودعوتها إلى إصلاحات شاملة سياسية واقتصادية .
وساهمت بعثة الاتحاد الأوروبي التي لعبت دور الوساطة بين قطبي المعادلة السياسية الحكم والمعارضة إلى صيغة اتفاق على إجراء تعديل دستوري يتيح تمديد فترة عمل المجلس النيابي سنتين وتأجيل الانتخابات النيابية للفترة نفسها لإتاحة الوقت للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظامين السياسي والانتخابي، بما في ذلك القائمة النسبية وتمكين الأحزاب الممثلة في البرلمان استكمال التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات وإعادة تأليف اللجنة العليا للانتخابات .
وانتهى الاتفاق بإقرار البرلمان التعديل الدستوري الذي أصبح نافذا في إبريل/نسيان 2009م من دون مباشرة الأحزاب السياسية للحوار بشأن التعديلات الدستورية المقررة لأسباب غامضة ترجع إلى أحزاب اللقاء المشترك لم تفصح عنها حتى الآن ، ما دعا حزب المؤتمر الحاكم إلى إعلان مشروع تعديل دستوري لم يختلف كثيرا عن المشروع الذي كان الرئيس صالح قدمه في وقت سابق ،والتنسيق والحوار حوله مع أحزاب المجلس الوطني للمعارضة والتي لم تكن طرفا في اتفاق فبراير2009م .

وهكذا دخلت الأطراف السياسية الموقعة اتفاق فبراير في دائرة حرب الاتهامات، خصوصا مع اتهام حزب المؤتمر الحاكم المعارضة بالتنصل عن اتفاقياتها وسعيها إلى تأزيم الحياة السياسية ناهيك عن اتهامها بدعم تمرد الحوثيين والتيارات الجنوبية المنادية بالانفصال .

ومضت أحزاب المشترك المعارضة نحو تنظيم حوار سياسي منفرد تحت مظلة ملتقى التشاور الوطني وأنجزت خلال الفترة الماضية مشروع وثيقة “مبادرة الإنقاذ الوطني” التي حظيت بإجماع الأحزاب المنضوية في تكتل اللقاء المشترك المعارض وبعض القوى السياسية والاجتماعية.
وقد تضمنت مبادرة أحزاب اللقاء المشترك لأول مرة تصوراتها للإنقاذ الوطني بدءاً بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية الشاملة مرورا بانتخابات رئيس الجمهورية وصلاحيات ومهام الرئيس ورئيس الحكومة وإصلاح بنية النظام السياسي والنظام الانتخابي والانتقال إلى الحكم المحلي كامل الصلاحيات اعتمادا على انتخابات حرة ومباشرة واعتماد نظام الحكم البرلماني ونظام الغرفتين (مجلس الأمة)، مع الأخذ بنظام القائمة النسبية كنظام انتخابي بديل لإتاحة التمثيل العادل لكل الفئات وضمان حيادية اللجنة العليا للانتخابات واستقلال الإدارة الانتخابية .

ومع ذلك لا يبدو أن الأفرقاء السياسيين في اليمن (الحكم والمعارضة) مستعدون اليوم للالتقاء على مائدة الحوار الوطني تحت قبة مجلس الشورى والتي أعلنها الرئيس صالح في 14 ديسمبر2009م ، خصوصا بعدما رفضت أحزاب المشترك صراحة هذه المبادرة في يناير 2010م معتبرة أن مبادرة الحوار الوطني التي دعى إليها الحزب الحاكم بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح “واعتبرتها انقلابا على اتفاق فبراير 2009م لتأجيل الانتخابات”، وهو ما نفاه الحزب الحاكم ،(وهذا موقف سلبي لأحزاب اللقاء المشترك وغير مبرر)وهو ما جعل رئيس الجمهورية والحزب الحاكم يدعو إلى مزيدا من التنسيق مع الأحزاب الأخرى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والقوى الاجتماعية والدينية المؤثرة ،ولتعود الأزمة إلى مربعها الأول بانتظار مفاجآت التسوية في العام 2010م .

5- غلبة الولاءات التقليدية وعدم فعالية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني
ومن بين التحديات التي تواجه الوحدة اليمنية أيضاً غلبة الولاءات التقليدية على حساب الولاء الوطني ،فعلى الرغم من مضي حوالي نصف قرن على قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر, وعشرين عاماً على إعلان قيام الوحدة والتجربة الديمقراطية ،إلا أن الولاءات التقليدية مازالت حاضرة بقوة, وانتماء الأفراد للعشيرة والقبيلة أقوى من الانتماء للجماعة الوطنية ،وتتجسد مظاهر مشكلة من هذا النوع من خلال تنامي دور الكيانات القبلية والمناطقية على حساب مؤسسات المجتمع المدني الحديثة ،ونزعة الأفراد اليوم إلى الاحتماء بالأسرة والعشيرة ،وبدلاً من اللجوء إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها ،وتصاعد ثقافة التمايز والفرز على أسس مناطقية .
وعليه ،فإن هذه المشكلة لابد وأن تحظى بأولوية خاصة في المرحلة المقبلة ,لأن استمرار وجودها يؤدي إلى غياب الأهداف المشتركة ،وظهور المشاريع الصغيرة ذات الأطر الضيقة ،ويعمق التناقضات ،ولاشك أن تجاوز هذا التحدي ليس بالأمر الهين لاسيما وأن جذور الولاءات التقليدية مترسخة منذ قرون طويلة ،إلا أن معالجة هذه المشكلة صارت ضرورة إنسانية ومصلحة وطنية ، ومعالجتها تتطلب تبني سياسات وإجراءات معينة في المرحلة المقبلة ،من هذه الإجراءات تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني (الأحزاب ،المنظمات ، النقابات ..)باعتبارها جزءاً من الحل ، فكلما زادت فاعلية هذه المؤسسات كلما تلاشت الولاءات والروابط التقليدية المتمثلة بروابط العصبية والدم , وحلت محلها روابط المصلحة المشتركة ،كما يتطلب الأمر مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز البناء المؤسسي ,وبما يضمن حصول المواطن على الخدمات كافة بيسر وسهولة حتى لا يلجا في سبيل ذلك إلى الأسرة والقبيلة للحصول على حقوقه أو الدفاع عنها .
- الصعوبات والتحديات التي تواجه اليمن في إعمال السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان :
• محدودية الموارد وشحة الإمكانيات المادية والاقتصادية .
• ازدياد إرهاب تنظيم القاعدة والتمرد الحوثي وعنف الحراك .
• استمرار تدفق اللاجئين إلى اليمن من القرن الإفريقي.
• التركيبة الاجتماعية بموروثها الثقافي.
• صعوبة الطبيعة الجغرافية للبلد في إيصال بعض الخدمات الأساسية إلى بعض المناطق.
• تنامي مشكلة الإعاقة وفقدان مساحات واسعة من الأراضي بسبب الألغام (موروث الصراع السياسي لما قبل الوحدة وتمرد الحوثيين في صعده ).
• ضعف مستوى الوعي الحقوقي لدى المجتمع.
• عدم اكتمال مأسسة قطاع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية اليمنية.
• غياب التنسيق والتكامل بين المجتمع المدني والأجهزة الحكومية.
• ضعف مستوى قدرات ومهارات العاملين في مجال رصد انتهاكات حقوق الإنسان.
. ضعف مستوى الحوار والشراكة الاجتماعية والاقتصادية بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين الثلاثة في عملية بناء الدولة وتنمية الإنسان اليمني .
. ضعف البناء المؤسسي والتأهيل، ونقص تدريب القدرات البشرية
الواقع أن أغلبية المؤسسات المدنية اليوم تعاني من النقص الواضح في تدريب وتأهيل الكوادر والمهارات والخبراء الفنيين والإداريين, للقيام بنشاطات هذه المنظمات غير الحكومية،الأمر الذي يعيق من تطورها واستمرارها؛ بالإضافة إلى ضعف البناء المؤسسي لها. وذلك نتيجة غياب التنسيق والتنظيم والتدريب للمؤسسات المدنية من قبل أي جهة كانت ، كما انه لازال نمط العلاقات فيما بين المنظمات غير حكومية تسير إلى حد بعيد وفق اجتهادات القيمين عليها (فردية وليست مؤسسية).وهذان العاملان أساسيان في عدم تنشيط دور المنظمات غير الحكومية في الشراكة مع بعضها البعض ومع الحكومة.وكل تلك الصعوبات نتج عنها عدم قدرة معظم المنظمات من الوصول إلى أي مصدر تمويل محلي أو دولي لبناء قدراتها وتحقيق أهدافها،نظرا لاحتكار تلك المعرفة لمصادر التمويل على منظمات قليلة بعينها، لايتجاوز عددها أصابع اليدين. وهو الأمر الذي نتج عنه حرمان أغلبية المنظمات المدنية من الحصول على التمويل والتأهيل الموجه له .
ومن جهة أخرى يعاني الوضع المؤسسي لأجهزة ومرافق الدولة في اليمن من اختلالات وصعاب عديدة للأسباب الآتية:
• تضخم الهيكل التنظيمي والوظيفي في الحكومة
• سوء تخصيص القوى العاملة، وضعف تأهيلها المهني
• عدم خضوع الاختيار والتعيين في الوظيفة العامة للكفاءة والملائمة
• فشل عدد كبير من مشروعات القطاع العام والمختلط،
• التنازع والتداخل في المسئوليات بين الوزارات، وبصفة خاصة السلطات المختصة والأجهزة المرتبطة بها
• ضعف التنسيق فيما بين الأجهزة الإدارية والمؤسسات
• ازدواجية الوظائف بين قيادة المحافظة وفروع الوزارات وبين المحافظات والمديريات
• تعدد واتساع خطوط السلطة علي المستوي المركزي والمحلي
• الافتقار إلى الأرشفة والتوثيق والاحتفاظ بملفات للعاملين
• غياب التصور الواضح عن العاملين في الحكومة وتوزيعهم طبقًا للبنية والتكوين التنظيمي
• الافتقار إلى بيانات إحصائية عن العاملين في الحكومة وخاصة توزيعهم الجغرافي ووظائفهم ومؤهلاتهم،
• العمالة المتكررة، والزائدة، والضعيفة

ولمعالجة العديد من هذه المشاكل الموروثة والتي صاحبت الوحدة اليمنية والممارسات المخالفة للقوانين السائدة سارعت الحكومات المتعاقبة باتخاذ مجموعة من المبادرات، وبصفة خاصة في:
• مجال إصلاح الخدمة المدنية، واللامركزية الإدارية والسلطة المحلية
• بناء القدرات المؤسسية على المستويات المركزية للحكومة
• إصلاحات في السلطة التشريعية والعمل البرلماني
• إصلاحات في مجال الانتخابات والممارسة الديمقراطية .
• إصلاحات في السلطة القضائية .

*رؤية عن أهمية الإصلاحات ومكافحة الفساد في اليمن

تبنت اليمن منذ عام 1995م برنامجاً طموحاً للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بدعم من صندوق النقد, والبنك الدولين, ومجتمع المانحين وقد شكل هذا البرنامج دافعاً نحو النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار للاقتصاد الكلي، وتحرير التجارة والأسعار بالإضافة إلى الخصخصة، ولا تزال اليمن حتى اليوم ملتزمة بقوة بتوسيع وتعميق عملية الإصلاح مع فهم عميق لضرورة هذا الأمر في عملية التنمية وقد تعزز هذا الاتجاه عند إعداد "الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" (PSED)، مع تركيز واضح على الحكم الجيد.

ووفقاً لبرنامج الإصلاح المالي والإداري قبلت الحكومية اليمنية بإعادة النظر في وظيفتها ودورها حيث تضمنت برامج الحكومات المتعاقبة من 1990-2009 الاهتمام بـ:
• إعادة البناء المؤسسي والعمل على تحديث وتطوير أجهزة الإدارة العامة
• تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية وتوصيف الوظائف وإلغاء الازدواجية والتكرار
• الاهتمام بالكفاءة الإنتاجية وتعزيز وتوسيع دور القطاع العام في تقديم الخدمات الاجتماعية وتقليص دوره في مجالات الإنتاج والتوزيع والخدمات ليتولاها القطاع الخاص
• إعطاء صلاحيات أكبر للسلطات المحلية من خلال المشاركة الشعبية
• تعزيز الديمقراطية والتعددية السياسية
• إصلاح السلطة القضائية والعمل على استقلال أجهزتها وفرض احترام سيادة القانون.

كما أن إعادة البناء المؤسسي وإصلاح جهاز الإدارة العامة وجهاز السلطة القضائية وفرض احترام سيادة القانون وإعادة النظر في دور ووظيفة الدولة كان وما يزال الهم الشاغل لجميع القوي السياسية علي مختلف أحزابها وكان موضع اهتمام برامجها الانتخابية بما فيها الحزب الحاكم في المراحل التي مرت بها العملية الديمقراطية البرلمانية بفتراتها الثلاث ( انتخابات 93 , 97, 2003 وكانت أهم مطالبها تتمثل في القضايا الآتية :
• المطالبة بتحديث البناء المؤسسي وتطوير الجهاز الإداري للدولة.
• تحديث التشريعات والقوانين بما يتلاءم مع الدور الجديد للدولة.
• العمل علي تشخيص الاختلالات في البناء المؤسسي وضرورة معالجتها .
• المطالبة بتحسين الخدمات الاجتماعية وتسهيل الحصول عليها.
. الاهتمام بالسلطة القضائية والعمل على استقلالها وحيادها وتفعيل دور التفتيش القضائي والعمل على تبسيط المرافعات والتنفيذ للأحكام الصادرة وبسرعة.


* تشخيصنا للوضع الاقتصادي الراهن لليمن
كان الحدث الأكثر تأثيراً في العالم منذ العام 2008 م هو تداعيات الأزمة الاقتصادية المالية العالمية التي اجتاحت بورصات العالم وأدت إلى خسائر فادحة منيت بها الدول العظمى والشركات والبنوك والتجار بعد أن كسبوا المليارات من توحشهم الذي أتاحه لهم سياسات التحرر الاقتصادي وهو ما دعا صندوق النقد الدولي إلى اعتبار هذه الأزمة الأسوأ في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية .
ان تلك الأزمة التي أثرت كثيرا على دول العالم الثالث وشلت اقتصادياتها وزادت من أعداد فقرائها (واليمن إحدى تلك الدول المتأثرة سلبيا من تداعيات تلك الأزمة ) قد أعادت من جديد التفكير في نظام اقتصادي بديل عن النظام المتوحش الراهن الذي لا يعرف غير لغة السوق والأرباح وانعدمت من أطره مراعاة وتحسين الأبعاد الإنسانية والجوانب الاجتماعية والاقتصادية للشعوب الفقيرة .ولعلنا نأمل أن تشهد التغيرات والتدخلات الراهنة من الحكومات والمؤسسات الدولية بروز نظام اقتصادي جديد أكثر إنسانية يحترم حقوق الإنسان ويلبى الحاجات الأساسية للبشر لان ذلك هو الضمان الوحيد لاستقرار العالم بدلاً من الفوضى الغير خلاقة التي أنتجها هذا النظام في مناطق كثيرة بالعالم .
في اليمن كان تأثير الأزمة المالية العالمية سلبيا جدا في اقتصادها ،حيث شكلت تداعيات تلك الأزمة السلبية تحديا جديدا وقويا أضيف إلى بقية التحديات التي تواجهها اليمن ،بل كان هذا التحدي من أقوى التحديات التي يواجهها نظرا لمحدودية موارد اليمن وبروز المشاكل الأمنية ،ومع ذلك فقد استطاعت اليمن ومن خلال التزامها ببرنامج الإصلاح المالي والإداري الذي أطلقته منذ عام 1995م ، تمكنت من تحقيق معدلات نمو حقيقية للقطاعات الاقتصادية . وتخفيض معدلات التضخم والبطالة وتحقيق استقرار سعر الصرف وإحداث توازن مستقر في ميزان المدفوعات وفي الموازنة العامة . بالإضافة إلى توفير مناخ جاذب للاستثمارات عن طريق الإصلاحات الهيكلية . وتعزيز دور القطاع الخاص . وتحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي . وقد بدأت الدولة ببرنامج للتثبيت يهدف إلى تخفيض كل من عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات من خلال تنفيذ عدد من السياسات المالية والنقدية. وباشرت كذلك تنفيذ برامج التكييف وإعادة الهيكلة والتي تشمل تحرير الأسعار والتجارة وخصخصة المشروعات العامة وتشجيع الإنتاج التصديري . وقد كانت البدايات مشجعة، ويمكن تتبع بعضاً منها من خلال القرارات ا لتي أصدرتها الحكومة خلال الفترة 95 – 2009م.
ففي مجال الإصلاحات الاقتصادية والمالية المنفذة خلال الفترة (2006-2008م) نفذت الحكومة اليمنية خلال العامين (2006-2007م) مجموعة واسعة من الإصلاحات شملت العديد من الجوانب والاتجاهات المختلفة التي من شأنها تعزيز مكون الحكم الرشيد وتحسين مستوى الأداء الاقتصادي الكلي والقطاعي وتعزيز الثقة مع المانحين، وتنمية المشاركة السياسية وتطوير حرية الصحافة والمطبوعات وزيادة دور السلطة المحلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد شملت الإصلاحات المنفذة العديد من القطاعات مثل : السلطة القضائية وتعزيز استقلاليتها وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، كما ركزت الإصلاحات في الجوانب الإدارية على تحديث الخدمة المدنية وإصلاح نظام الوظائف والأجور والمرتبات وتطبيق نظام البصمة وتعزيز قدرات المؤسسات التدريبية الحكومية من النواحي التنظيمية والبشرية والإمكانيات والوسائل المادية وتبسيط إجراءات تقديم الخدمات الحكومية إلى المواطنين والمستثمرين. وفي جانب الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتحسين مناخ الاستثمار تمت الموافقة على إستراتيجية إصلاح الإدارة المالية، كما شهدت الفترة الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع تسهيل وتبسيط الإجراءات الخاصة ببدء الأعمال التجارية والاستثمارية وتنفيذ مشروع كفاءة قطاع التجارة بدعم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، فضلاً عن تركيب وتطبيق العمل بالنظام الآلي الجمركي (ASYCUDA) في كل المنافذ الجمركية الرئيسية ومعظم المنافذ الثانوية.وتسعى الحكومة إلى تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات في إطار الأجندة الوطنية للإصلاحات (المرحلة الثانية) خلال العامين (2009-2010م).

وعن أثر الأزمة المالية العالمية وأزمة الغذاء في حقوق الإنسان ،فقد شهد العامان (2007-2009م) تصاعد أزمة الغذاء على المستوى العالمي والإقليمي وكان لها آثار سلبية مباشرة في الوضع الاقتصادي والتمويني في اليمن، حيث ارتفعت الأرقام القياسية لأسعار الغذاء خلال العامين (2006، 2009م) بحوالي (28.6%)، (23.5%) على التوالي، وكانت نسبة الارتفاع خلال عام 2008م، في أسعار المنتجات الزراعية وبالذات في أسعار القمح حوالي (148%) وفي الألبان بحوالي (62%)وفي الزيوت (66%)، كما أسهم ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية في ارتفاع تكلفة الشحن إلى جانب ارتفاع عناصر التكلفة في الدول المنتجة.
ونتيجة للزيادة الكبيرة في مستوى أسعار كثير من السلع المستوردة وبالأخص السلع الغذائية منها فقد تزايدت قيمة الفجوة الغذائية لليمن خلال السنوات الماضية لتصل عام 2006م، إلى حوالي (233) مليار ريال، وتمثل الفجوة في سلعة الحبوب حوالي (73%) من إجمالي الفجوة الغذائية لليمن تليها الألبان ثم اللحوم.
وفي سبيل الحد من أثر ارتفاع أسعار الغذاء قامت الحكومة اليمنية باتخاذ العديد من الإجراءات لمعالجة آثار الأزمة ومنها :
1- تكثيف عمليات رصد وضبط مخالفات عدم إشهار الأسعار والمخالفات المتعلقة بالغش التجاري وبالمواصفات والمقاييس على مستوى جميع المحافظات والمديريات في الجمهورية.
2- رفع عدد الحالات في صندوق الرعاية الاجتماعية.
3- تنفيذ المرحلة الثانية من إستراتيجية الأجور والمرتبات.
كما تشير التوقعات الأولية إلى أن الأزمة المالية العالمية أثرت سلبياً في النمو الاقتصادي في اليمن.
وبشكل عام، تظهر المؤشرات اتجاهاً نحو تحقيق استقرار اقتصادي بفعل إجراءات التثبيت وسياسات التكييف . وتركز الحكومات اليمنية المتعاقبة على تنفيذ برامج إصلاح مرتكزة على الإطار القانوني الملائم لاقتصاد السوق، وتشدد على مواصلة إصلاح القطاع القضائي والأمني والإداري لتوفير البيئة المناسبة للاستثمار وخاصة استثمارات القطاع الخاص. واستجابة للنجاحات التي حققها الاقتصاد خلال الفترة، ولاستكمال بقية الإصلاحات، فإن المانحين والمنظمات والصناديق الدولية قد أبدت استعدادها لمساندة برامج الإصلاحات إلى جانب دعم برنامج شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من الآثار السلبية للبرامج. ولضمان نجاح هذه البرامج تسعى الحكومة إلى تعزيز التعاون مع العالم الخارجي والاستفادة من تجارب الآخرين سيراً نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي .
علماً بأن كل هذه المبادرات كانت بالتعاون م
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 05-ديسمبر-2024 الساعة: 09:23 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.maonah.org/maonah/news-501.htm