بقلم الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي- نقلا عن موقع حشد نت - الجريمة النكراء التي تعرض لها جامع النهدين يوم الجمعة الماضية واستهدفت فخامة رئيس الجمهورية أثناء تأدية صلاة الجمعة مع مجموعة من رجال الدولة , بلغت من الخطورة أقصاها لا لكونها استهدفت رئيس البلاد فحسب رغم قبح وبشاعة الإستهداف ورفضه , ولكن لكونها تعدَّت كل القيم والأخلاق وتبرأت من الدين وتعاليم السماء باستهدافها بيتاً من بيوت الله عز وجل دون مراعاة لحرمة هذا البيت الذي من دخله كان آمناً كما قال سيد البرية صلى الله عليه وآله وسلم عند فتح مكة , وهو يغزو قوماً آذوه وشرَّدوه وطردوه وعذَّبوا أصحابه وقتلوهم وهجَّروهم ومارسوا معهم كل منكر , ويوم الفتح المبين جعل الأمان لمن آوى إلى بيت الله .
الأمر جِدُّ خطير ولا يجب الإستهانة به أو إغفاله وعدم التركيز عليه ومناقشته , خوفاً من أن يتحول إلى ظاهرة خطيرة تمضي بنا على نمط الإستهداف الأقذر في تاريخنا الحديث والمتمثل في استهداف المساجد كما في عراق ما بعد صدام حسين وباكستان ما بعد شريف وبوتو , وصومال ما بعد سياد بري وأفغانستان ما بعد نجيب الله ونماذجها المخزية في إيران ومصر و...و...وصولاً إلى اليمن .
ومن أبشع ما رافق تلك العملية القذرة تلك المشاهد المخزية والدعوات المرذولة للإحتفال والشماتة والتَّشَفِّي لما وقع من عملية نالت استهجان ورفض وإدانة حتى أكثر الناس عداءً لعلي عبدالله صالح بما في ذلك الغرب الذي نلعنه وندعوا عليه في الليل والنهار , فكيف بأهل الدين والملة وخير أمة أُخرجت للناس , وهي الأمة التي نهى دينها ونبيها عن التَّشَفِّي والمِثلة بالكلب العقور ؟؟؟!!!
فهل جهلٌ أم تجاهلٌ أم إفراطٌ في شهوة العداء وفجور الخصومة ؟؟؟!!!
الرعب في صنعاء :
كانت ومازالت مشاهد المتارس والتحصينات وأكوام التراب والأليات العسكرية والإنتشار الأمني والحشود القبلية وصور المسلحين الذين تعج بهم صنعاء , وبالأخص في مناطق معينة ، كل تلك المشاهد كانت وما زالت تثير الرعب والخوف والهلع لدى العامة من أهل صنعاء وزائريها بما يوحي وكأن المناظر في مقديشو لا صنعاء .
سنة القتل في المساجد :
خطورة الجرم المشهود لا تقتصر على استهداف شخص رئيس الجمهورية – رغم الرفض المطلق لاستهداف رئيس البلاد - لكونه في خصومة سياسية مع المعارضة والقاعدة والحراك وغيرهم ويفترض به الحذر أكثر من أي وقت مضى , لكن الخطورة تكمن في استهداف المساجد حيث الأمان والطمأنينة والسكينة لتتحول إلى مكان مرعب يَنُمُّ عب بشاعة بلا حدود يتمتع بها أهل الوقت والزمان .
إن أول من سنَّ القتل في المساجد واستباح حرمتها دون حياء من رب ولا وازع من ضمير ولا رادع من خلق هم الخوارج الذين استهدفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) واغتالوا حلم المسلمين في محراب العبادة والخضوع , بعدها توالت العمليات الخارجية في فترات متباعدة من الزمن حيث كانت تخضع للمستوى والفكر الخارجي الذي يتمتع به مجرموه امتداداً لفكر مدرسة الشقي عبدالرحمن بن مُلْجَم المرادي .
لقد وجدت هذه المدرسة البائسة رواجاً في عصرنا الحاضر – نظراً لضعف الدين عند الناس وتهاوي معاقل الأخلاق والقيم وموت الضمائر – فتحولت المساجد ودور العبادة إلى أماكن لتصفية الحسابات وتخضبت ساحاتها بالدماء وتغيرت جدرانها بالأشلاء وآذنت بأن لا أمان يرتجى لمن يلجأ إليها , دون تحميل الدين تبعة هذه المنكرات فالدين أجلُّ وأسمى من هؤلاء الأتباع الذين يُشَوِّهون صورته الناصعة بأفعالهم الدنيئة ويأبى الله الغالب على أمره .
الإمتحان الأصعب :
إن بلادنا تمر بمرحلة عصيبة ونحن بامتحان عسير , اختلفنا فيه كثيراً وتباغضنا أكثر من اللازم وتلاعنا وتشاتمنا وتساببنا بما فيه الكفاية , وصدَّقنا الشياطين واستسلمنا للمؤامرات والدسائس واندفعنا خلف مخططات الأعداء , وقادنا الهوى وفجور الخصومة بوعي وبدون وعي فلعلع الرصاص والقذائف ودوت أصوات المدافع .
أعتقد أنَّا عجزنا عن تجاوز هذا الإمتحان ولكن لا زال أمامنا مُتَّسَعٌ من الوقت :
لنتآخى , لنتكاتف , لنتوحد , لنترك الخلافات , لنتجاوز الإحن , لنطهر القلوب والنفوس من الشحناء والبغضاء والأحقاد والضغائن , لنتعالى فوق الصغائر , لنتعدى الماضي بكل سلبياته وأخطائه .
آن أوان المحبة وتضميد الجراح , والتعافي من المحنة , فالبلاد اليوم بحاجة ماسَّة لنا أكثر من أي وقت مضى .
الحادث المؤلم :
من كان يعتقد بأن الحادث البشع قد قصم ظهر البعير فقد جانبه الصواب , فبقدر ما صنع إلا أنه منحه زخماً على غير المتوقع , وعلى شاكلة : أراد أن يذمه فامتدحه والعكس , فقد كانت مزايا الحادث ثلاث :
1. أنه وقع في يوم الجمعة .
2. أنه تمَّ والرئيس ومن معه بداخل المسجد .
3. أنه حدث أثناء تأدية الصلاة .
وعلى العموم فالقتل والإستهداف به بشع ومرفوض في كل الحالات سواء لشخص الرئيس أو لغيره , وسواء كان الجاني السلطة أو المعارضة أو المواطن العادي , وهذا ما يجب أن نكون عليه ونبني ثقافتنا ونربي أبناءنا على ضوئه , وما يستحق الذم والإدانة من كل الناس بما فيها الفعاليات السياسية .
خالص الأماني بالشفاء للرئيس ولجميع الجرحى والمصابين من كل أبناء اليمن , والعودة الحميدة , ورحم الله شهداء الوطن في كافة ربوعه
|